فصل: الخبر عن لقاء أبي ثابت مع الناصر ابن السلطان أبي الحسن وفتح وهران بعدها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن لقاء أبي ثابت مع الناصر ابن السلطان أبي الحسن وفتح وهران بعدها:

كان السلطان أبو الحسن بعد وقعة القيروان قد لحق بتونس فأقام بها والعرب محاصرون له ينصبون الأعياص من الموحدين لطلب تونس واحدا بعد آخر كما ذكرناه في أخبارهم وبينما هو مؤمل الكرة ووصول المدد من المغرب الأقصى إذ بلغه الخبر بانتثار السكك أجمع وبانتقاض ابنه وحافده ثم استيلاء بني عنان على المغرب كله ورجوع بني عبد الواد ومغراوة وتوجين إلى ملكهم بالمغرب الأوسط ووفد عليه يعقوب بن علي أمير الزواودة فاتفق مع عريف بن يحيى أمير سويد كبير مجلس السلطان على أن يغرياه ببعث ابنه الناصر إلى المغرب الأوسط للدعوة التي كانت قائمة بأمصاره في الجزائر ووهران وجبل وانشريس وكان به نصر بن عمر بن عثمان بن عطية قائما بدعوته وأن يكون عريف بن يحيى في جملة الناصر لمكانه من السلطان ومكان قومه من الولاية وكان ذلك من عريف تفاديا من المقام بتونس فأجاب إليه السلطان وبعثهم جميعا ولحق الناصر ببلاد حصين فأعطوه الطاعة وارتحلوا معه ولقيه العطاف والديالم وسويد فاجتمعوا إليه وتألبوا معه وارتحلوا يريدون منداس وبينما الأمير أبو ثابت يريد معاودة الغزو إلى وهران إذ فجأه الخبر بذلك فطير به إلى السلطان أبي عنان وجاءه العسكر من بني مرين مددا صحبة أبي زيان ابن أخيه أبي سعيد كان مستقرا بالمغرب منذ نهوضهم إلى القيروان وبعث عنه أبوه فجاء مع المدد من العساكر والمال ونهض أبو ثابت من تلمسان أول المحرم سنة خمسين وسبعمائة وبعث إلى مغراوة بالخبر فقعدوا عن مناصرته ولحق ببلاد العطاف فلقيه الناصر هنالك في جموعه بوادي ورك آخر شهر ربيع الأول فانكشفت جموع العرب وانهزموا ولحق الناصر بالزاب فنزل على أبي مزني ببسكرة إلى أن أصحبه من رجالات سيلم من أوصله إلى أبيه بتونس ولحق عريف بن يحيى بالمغرب الأقصى واحتل عند السلطان أبي عنان بمكانه من مجلسهم فحصل على البغية ورجع العرب كلهم إلى طاعة أبي ثابت وخدمته واستراب بصغير بن عامر بن إبراهيم فتقبض عليه وأشخصه معتقلا مع البريد إلى تلمسان فاعتقل بها إلى أن أطلق بعد حين وقفل أبو ثابت إلى تلمسان فتلوم بها أياما ثم نهض إلى وهران في جمادى من سنته فحاصرها أياما ثم افتتحها عنوة وعفا عن علي بن جانا القائم بعد مهلك أخيه عبوا وعلى من معه وأطلق سبيلهم واستولى على ضواحي وهران وما إليها ورجع إلى تلمسان وقد استحكمت العداوة بينه وبين مغراوة وكان قد استجرها ما قدمناه من قعودهم عن نصره فنهض بهم في شوال من سنته والتقوا في عدوة وادي زهير فاقتتلوا مليا ثم انكشفت مغراوة ولحقوا بمعاقلهم واستولى أبو ثابت على معسكرهم وملك مازونة وبعث ببيعتها إلى أخيه السلطان أبي سعيد وكان على أثر ذلك وصول السلطان أبي الحسن من تونس كما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.

.الخبر عن وصول السلطان أبي الحسن من تونس ونزوله بالجزائر وما دار بينه وبين أبي ثابت من الحروب ولحوقه بعد الهزيمة بالمغرب:

كان السلطان أبو الحسن بعد واقعة القيروان طال مقامه بتونس وحصار العرب إياه واستدعاه أهل المغرب الأقصى وانتقض عليه أهل الجريد ويايعوا للفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى فأجمع الرحلة إلى المغرب وركب السفن من تونس أيام الفطر من سنة خمسين وسبعمائة فعصفت به الريح وأدركه الغرق فغرق أسطوله على ساحل بجاية ونجا بدمائه إلى بعض الجزائر هنالك حتى لحقه أسطول من أساطيله فنجا فيه إلى الجزائر وبها حمو بمن يحيى بن العسري قائده وصنيعة أبيه فنزل عليه وبادر إليه أهل ضاحيتها من مليكش والثعالبة فاستخدمهم وبث فيهم العطاء واتصل خبره بونزمار بن عريف وهو في أحياء سويد فوفد عليه في مشيخة من قومه ووفد معه نصر بن عمر بن عثمان صاحب جبل وانشريس من بني تيغرين وعدي بن يوسف بن زيان بن محمد بن عبد القوي الثائر بنواحي المرية من ولد عبد القوي فأعطوه الطاعة واستحثوه للخروج معهم فردهم للحشد فجمعوا من إليهم من قبائل العرب وزناتة وبينما الأمير أبو ثابت ببلاد مغراوة محاصرا لهم في معاقلهم إذ بلغه الخبر بذلك في ربيع سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فعقد السلم معهم ورجع إلى قتال هؤلاء فأخذ على منداس وخرج إلى السرسو قبلة وانشريس وأجفل أمامه ونزمار وجموع العرب الذين معه ولحق به هنالك مدد السلطان أبي عنان قائدهم يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطى فاتبع آثار العرب وشردهم ولحقت أحياء حصين بمعاقلهم من جبل تيطرى ثم عطف على المرية ففتحها وعقد عليها لعمر بن موسى الجلولي من صنائعهم ثم نهض إلى حصين فاقتحم عليهم الجبل فلاذوا بالطاعة وأعطوا أبناءهم رهنا عليها فتجاوزهم إلى وطاء حمزة فدوخها واستخدم قبائلها من العرب والبربر والسلطان أثناء ذلك مقيم بالجزائر ثم قفل أبو ثابت إلى تلمسان وقد كان استراب بيحيى بن رحو وعسكره من بني مرين وأنهم داخلوا السلطان أبا الحسن وبعث فيه إلى السلطان أبي عنان فأداله بعيسى بن سليمان بن منصور بن عبد الواحد بن يعقوب فبعثه قائدا على الحصة المرينية فتقبض على يحيى بن رحو ولحقوا مع أبي ثابت بتلمسان ثم أجاز إلى المغرب وأوعز السلطان أبو الحسن إلى ابنه الناصر مع أوليائه من زناتة والعرب فاستولى على المرية وقتل عثمان بن موسى الجلولي ثم تقدم إلى مليانة فملكها وإلى تيمزوغت كذلك وجاء على أثره السلطان أبو الحسن أبوه وقد اجتمعت إليه الجموع من زغبة ومن زناتة ومن عرب إفريقية سليم ورياح مثل: محمد بن طالب بن مهلهل ورجال من عشيرته وعمر بن علي بن أحمد الزواودي وأخيه أبي دينار ورجالات من قومهما وزحف على هذه التعبية وابنه الناصر أمامه فأجفل عليه بن راشد وقومه مغراوة عن بلادهم إلى البطحاء وطير الخبر إلى أبي ثابت فوافاه في قومه وحشوده وزحفوا جميعا إلى السلطان أبي الحسن وقومه فالتقى الجمعان بتيمغزين من شلف وصابروا مليا ثم انكشف السلطان أبو الحسن وقومه وطعن ولده الناصر بعض فرسان مغراوة وهلك آخر يومه وقتل محمد بن علي بن العربي قائد أساطيله وابن البواق والقبائلي كاتباه واستبيح معسكره وما فيه من متاع وحرم وخلص بناته إلى وانشريس وبعث بهن أبو ثابت إلى السلطان أبي عنان بعد استيلاء كل الجبل وخلص السلطان أبو الحسن إلى أحياء سويد بالصحراء فنجا به وزمار بن عريف إلى سجلماسة كما يأتي ذكره في أخباره ودوخ أبو ثابت بلاد بني توجين وقفل إلى تلمسان والله تعالى أعلم.